بقلم / إيمان عبيد -أخصائية صحة نفسية
كثيراً ما يُساء فهم الاكتئاب ويُختزل في كونه مجرد حزن أو ضعف إيمان في حين أنه في حقيقته اضطراب بيولوجي نفسي معقد يرتبط بخلل في كيمياء الدماغ تماماً كما ترتبط أمراض الجسد بخلل في أعضاء بعينها
إن الاكتئاب مرض يصيب أهم عضو في جسم الإنسان ألا وهو الدماغ، ويعود السبب المباشر له إلى اضطراب أو قصور في عمل أربعة هرمونات رئيسية مسؤولة عن التوازن النفسي والانفعالي وهي:
١-الدوبامين: وهو المسؤول عن الشعور بالمتعة والسعادة المرتبطة بالأنشطة الحسية مثل الطعام، العلاقات العاطفية والجنسية، التسوق، وتحقيق الإنجازات
٢-الإندورفين: يلعب دوراً مهماً في تقليل الألم والتوتر، ويمنح الإنسان دافعاً للحياة والقدرة على التحمل
٣-السيروتونين: ينظم النوم والشهية ويساعد على تنفيذ المهام اليومية بانتظام واستقرار.
٤-الأوكسيتوسين: يعرف بـ"هرمون الحب"
حيث يؤثر في التفاعل الاجتماعي، ويعزز مشاعر الترابط، والانخراط في الأعمال التطوعية والخيرية.
هذه الهرمونات الأربعة ليست رفاهية نفسية بل أدوات بيولوجية خلقها الله داخل أجسامنا لتساعدنا على التكيف والتفاعل فإذا اختل توازنها تماماً كما يختل عمل القلب أو المعدة تظهر أعراض مرضية تكون أحياناً شديدة وقاسية
●ما الذي يحدث عند اضطراب هذه الهرمونات؟
حين يختل التوازن الكيميائي في الدماغ يصاب الإنسان بأعراض تشمل:
•اضطرابات النوم والشهية
•فقدان الرغبة في الحياة
•ضعف في الأداء الوظيفي والاجتماعي
•فقدان القدرة على الاستمتاع أو الإحساس بالسعادة
•وفي الحالات المتقدمة قد تظهر أعراض ذهانية مثل الهلاوس والضلالات وذلك نتيجة لتحول الاكتئاب إلى اضطراب عقلي ذهاني أكثر حدة أو بسبب تراكمه دون علاج
تتفاوت شدة الأعراض تبعاً لدرجة الخلل الكيميائي من خفيفة إلى متوسطة وقد تصل إلى شديدة وكلما زاد الخلل زادت صعوبة التفكير المنطقي والتركيز وهنا تكمن خطورة إساءة فهم حالة المريض
●لماذا لا يُجدي "الكلام المنطقي" نفعاً ؟
من أكثر الأخطاء شيوعاً أن يُقال لمريض الاكتئاب: "اقترب من الله أكثر"، أو "أنت متدين فكيف تفكر بهذا الشكل؟"
هذه العبارات رغم انك نُويت بها الطمأنينة الا انها قد تزيد من شعوره باليأس إذ يعتقد المريض حينها أن حتى قُربه من الله لم يكن كافياً لتخفيف ألمه فيتسلل إليه سؤال مؤلم: هل الله لا يحبني؟ وقد يتطور هذا السؤال إلى فكرة انتحارية ظناً منه أنه لا جدوى من أي محاولة أخرى
●أسباب الاكتئاب
قد تكون الأسباي بيئية وقد تكون جينية كما في أي مرض عضوي
١-بيئياً: نتيجة التعرض لضغوط نفسية شديدة أو صدمات متكررة أو اتباع نمط حياة أو تفكير غير صحي دون وعي، تراكم الأسباب البيئية يؤثر على كمياء المخ بالتدريج مما يؤدي الى الإصابة بالمرض
٢-وراثياً وجينياً: لدى بعض الأفراد استعداد جيني يجعلهم أكثر عرضة للخلل الكيميائي دون وجود سبب بيئي واضح
●العلاج: علم لا تنظير
العلاج لا يكون بالتقوى وحدها ولا بالكلمات الطيبة فقط بل بخطة علاجية متكاملة تشمل:
١- العلاج الدوائي: بإشراف طبيب نفسي ويهدف إلى إعادة التوازن الكيميائي للدماغ وهو ضروري خصوصاً في حالات الاكتئاب المتوسط إلى الشديد
٢-العلاج النفسي (المعرفي و السلوكي وغيره): مع أخصائي نفسي حيث يعمل على تعديل الأفكار والسلوكيات وتطوير مهارات التعامل مع الضغوط والمشاعر والانفعالات ومنع الانتكاسات
قد يُغني العلاج النفسي وحده في بعض حالات الاكتئاب الخفيف، لكن لا يُغني أبداً عن العلاج الدوائي في الحالات الشديدة.
●الدين قوة دعم لا بديل عن العلاج:-
الإيمان بالله والتدين الصادق يساعدان في تحمل المرض ويمنحان الإنسان الصبر والقوة لكن لا يُغنيان عن العلاج الطبي والنفسي فكما لا نعالج كسور العظام بالدعاء فقط لا نعالج اضطرابات الدماغ بالإيمان وحده
ختاماً: دعونا نُحسن فهم هذا المرض ونكفّ عن التنظير ونوجّه مَن نحب إلى العلاج الصحيح. فلنكن سنداً حقيقياً لا عبئاً إضافياً
رحم الله من رحلوا بسبب الاكتئاب، وشفى الله كل مريض وحمى الجميع من الوقوع في براثن هذا المرض الصامت
إرسال تعليق