بقلم كوتش زاهيا السبخى نائب رئيس قسم المرأة واستشاري تدريب وتطوير وتنمية مهارات
في مجتمعاتنا نرفع الشعارات التي تنادي بحقوق المرأة، ونروج لمفاهيم المساواة والتمكين، ونحتفل بإنجازات النساء و الرائدات. لكن حين تحقق المرأة نجاحًا حقيقيًا، تُواجَه بحرب خفية وظاهرة، لا يكون الرجال وحدهم طرفًا فيها، بل تشارك فيها بعض النساء أيضًا. إن التناقض بين ما نقوله وما نمارسه في الواقع يجعلنا نعيد النظر في مدى جدية المجتمع في دعم المرأة ومنحها حقوقها دون شروط أو تنازلات.
لماذا تُحارب المرأة الناجحة؟
حين تصل المرأة إلى موقع متقدم، تجد نفسها في مواجهة عدة عقبات، ليس فقط من المجتمع الذكوري، ولكن من النساء أيضًا، وكأن هناك اتفاقًا غير معلن بأن نجاح المرأة يجب أن يكون محدودًا أو مشروطًا. هناك أسباب عديدة وراء هذه الظاهرة، من أبرزها:
الموروث الثقافي والعادات
المجتمع العربي لا يزال يحمل رواسب ثقافية ترى أن دور المرأة الأساسي هو المنزل والأسرة، وليس القيادة أو تحقيق الإنجازات. لذلك، عندما تنجح المرأة، فإنها تثير استياء من يرون أنها خرجت عن الدور التقليدي المرسوم لها.
التنافس غير الصحي بين النساء
بدلاً من دعم بعضهن البعض، تلجأ بعض النساء إلى انتقاد الناجحات، ربما بسبب الغيرة أو بسبب التبرمج المجتمعي الذي يزرع في عقولهن أن نجاح امرأة أخرى يعني تهديدًا لهن.
الرؤية الذكورية المتجذرة للمرأة
حتى في بيئات العمل، يواجه كثير من النساء الناجحات صعوبة في الحصول على الاعتراف بإنجازاتهن. فغالبًا ما يُنسب النجاح إلى الحظ، أو إلى دعم رجل في حياتها، وليس إلى جهدها وكفاءتها.
ازدواجية المعايير
ما يُعتبر قوة وثقة في الرجل، يُعتبر غرورًا أو تحديًا غير مقبول عندما تظهره المرأة. إذا طالبت المرأة بحقوقها أو دافعت عن نفسها، توصف بأنها "متسلطة"، بينما يوصف الرجل في نفس الموقف بأنه "قائد قوي".
النساء ضد النساء: لماذا تحارب بعض النساء نجاح الأخريات؟
من أكثر الظواهر غرابة أن بعض النساء يُشاركن في محاربة المرأة الناجحة، إما من خلال النقد السلبي أو التهميش أو حتى العداء المباشر. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل:
التنشئة الاجتماعية: منذ الصغر، يتم زرع فكرة أن المرأة يجب أن تكون "محبوبة" لا "قوية"، مما يجعل بعض النساء يشعرن بالخطر عندما يرون أخريات يتحدين هذه القاعدة.
الغيرة والمقارنة: في بعض الأحيان، يكون نجاح امرأة ما تذكيرًا لأخريات بما لم يحققنه بعد، مما يولد شعورًا بالغيرة بدلاً من الإلهام.
تبني العقلية الذكورية: بعض النساء يعتقدن أن محاربة الأخريات تجعلهن أكثر قبولًا من قبل الرجال أو المجتمع ككل.
هذا الصراع الداخلي بين النساء يضعف حركة تمكين المرأة، ويجعل المطالبة بحقوقها أكثر صعوبة، لأن العدو لم يعد خارجيًا فقط، بل أصبح داخل الدائرة نفسها.
حقوق ممزوجة بالتنازلات: هل تحصل المرأة على حقوقها كاملة؟
رغم الحديث المستمر عن المساواة بين الجنسين، لا تزال المرأة تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات عديدة حتى تحصل على حقوقها الأساسية. فعلى سبيل المثال:
المرأة العاملة غالبًا ما تواجه ضغطًا لمضاعفة جهودها حتى تُثبت كفاءتها مقارنة بزملائها الرجال.
المرأة في المناصب القيادية تحتاج إلى تحمل النقد المستمر والتركيز على تصرفاتها أكثر مما يواجهه الرجل في نفس المنصب.
المرأة التي تطالب بحقوقها تُتهم أحيانًا بأنها "متمردة" أو "تسعى لجذب الانتباه"، في حين أن الرجل الذي يفعل الشيء نفسه يُعتبر "طموحًا".
هذا يعكس تناقضًا واضحًا بين الشعارات التي نرفعها حول دعم المرأة، وبين الواقع الذي يجعل حصولها على حقوقها مشروطًا بتقديم تنازلات عديدة.
مجتمع متناقض: بين الخطاب التقدمي والممارسة الفعلية
المجتمع يعيش حالة من التناقض فيما يتعلق بحقوق المرأة. ففي الوقت الذي يتم فيه الاحتفاء بالمرأة في المناسبات الرسمية، نجد أن العقليات التي تحكم حياتها اليومية لا تزال بعيدة عن مفهوم المساواة الحقيقية.
نرى شركات تضع صور المرأة في حملاتها الإعلانية، لكنها في الواقع لا تمنحها فرصًا متساوية في الترقية.
نجد أسرًا تشجع بناتها على التعليم، لكنهن يُواجهن ضغوطًا للتنازل عن طموحاتهن بعد الزواج.
نسمع أصواتًا تدعو إلى احترام المرأة، لكن نفس المجتمع يغض الطرف عن القوانين التي تكرس التمييز ضدها.
إن التغيير الحقيقي لا يأتي من مجرد الشعارات، بل من تغيير العقليات، وإعادة النظر في القوانين والثقافة التي تجعل المرأة مضطرة دائمًا لإثبات جدارتها في كل خطوة.
الحل: وعي جديد وثقافة صادقة
إذا كنا نريد مجتمعًا حقيقيًا يؤمن بحقوق المرأة، فعلينا أن:
نعيد تشكيل الوعي المجتمعي بحيث لا يتم النظر إلى المرأة الناجحة كاستثناء أو تهديد، بل كعنصر طبيعي في تقدم المجتمع.
ندعم النساء بعضهن البعض بدلًا من تبني عقليات تقلل من شأن إنجازاتهن.
نطالب بحقوق غير مشروطة دون أن يكون النجاح النسائي مقرونًا بتضحيات شخصية مستمرة.
نحاسب المؤسسات والجهات التي تدّعي دعم المرأة بينما تمارس التمييز ضدها في الواقع.
وفي الختام
المرأة ليست بحاجة إلى دعم شكلي أو شعارات زائفة، بل إلى تغيير حقيقي في المفاهيم والممارسات. المجتمع الذي يحارب المرأة الناجحة هو مجتمع يحارب نصف طاقته وإبداعه. التمكين الحقيقي للمرأة لا يكون بمنحها حقوقًا مغلفة بالتنازلات، بل بأن تصبح هذه الحقوق جزءًا طبيعيًا من نسيج المجتمع.
إذا أردنا مجتمعًا قويًا، فعلينا أن نؤمن بأن نجاح المرأة ليس تهديدًا، بل هو نجاح لنا جميعًا.
إرسال تعليق