U3F1ZWV6ZTI4MzIwMDE5NjkzNTY5X0ZyZWUxNzg2NjcxNzI3OTEzMA==

حين يُجرَحُ الأمل في معقله - جريدة الهرم المصرى نيوز


 

بقلم / اسامة طلعت 


في ذلك المكان الذي وُجد ليكون ملاذًا للألم، ومرفأً تتكئ عليه أرواح أنهكتها المحن، رأيتُ مشهدًا يتصدّع له القلب، وتنحني له النفس خجلًا من حالنا. المستشفى، حيث يُفترض أن تسود الرحمة، ويُغرس الإحسان، ويُصان الأمان، بدا كأنه مسرح عبثي، يُمتهن فيه الوجع، وتُستهان فيه الكرامة.


هناك، خلف أبواب بيضاء تخفي بين جنباتها حكايات المرضى، كان الطبيب يمارس التنمّر كأنه جزءٌ من علاجه، وكانت الممرضة تُمارس السخرية كأنها ترياقٌ تظنه يشفي الجروح. لم يكتفوا بذلك، بل امتدت أيديهم إلى خطأٍ في صرف الدواء، كأنه تفصيلٌ صغير في رواية عبثية يظنونها بلا نهاية.


لكن الأوجع من كل هذا ليس الخطأ وحده، بل تلك النظرات التي تحيط بالمريض، وكأنه كائنٌ بلا إحساس، كأنه رقمٌ في قائمة، أو محطّة عابرة على طريق الجفاء. كيف لنا أن نأتمن هؤلاء على أطفالنا، وهم لم يتعلموا بعد أبجديات الرحمة؟ كيف نُسلم أعراضنا لأيدٍ ترتجف بالخطيئة ولا تعرف قيمة الأمانة؟


ورغم كل هذا الظلام، رأيت بصيصًا من نور. هناك من سمع الشكوى، وأنصت بإخلاص. هناك من تعامل مع الموقف بمهنيةٍ وإنسانيةٍ تُذكر . ولأولئك الذين لم ينسوا جوهر هذه المهنة النبيلة، أقول: شكراً لكم لأنكم كنتم الاستثناء الجميل في هذا المشهد الموحش.


لم أذكر اسم المستشفى، ولا الطبيب، ولا الممرضة، لأن الحديث ليس عن أسماء، بل عن منظومةٍ بأكملها تحتاج إلى إعادة نظر. الأمر أعمق من خطأ هنا أو زلّة هناك. إنه نداءٌ للقلوب قبل العقول، للضمائر قبل القرارات.


يا أصحاب القرار، يا من أوتمنتم على حياة الناس وأرواحهم، هل نظرتم بعين الرحمة والجدّ إلى من تُسلمونهم أمانة المرضى؟ هل أدركتم أن الكفاءة وحدها لا تكفي، وأنّ القلوب القاسية لا تصلح لمداواة الأوجاع؟


ليس هذا مجرد مقالٍ يُقرأ ثم يُنسى، بل هو نداءٌ يحمل رجاء، وصرخةٌ تخشى أن تضيع بين الجدران. أصلحوا ما استطعتم، قبل أن تتحوّل المستشفيات إلى مواطن تُسحق فيها الكرامة، وتُدفن فيها الإنسانية.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة