✍️ إعداد: نجوى منير
بينما يحتفي العالم بالتربية الحديثة بوصفها ثورة في أساليب تنشئة الأبناء، تتسلّل من خلف الشعارات اللامعة أزمة خفيّة تهدد القيم والسلوك.
جيل جديد يرفع شعار الحرية، لكنه أحيانًا يخلط بينها وبين الفوضى، فيغيب الاحترام وتتراجع المسؤولية، وتضيع الحدود بين الجرأة والوقاحة.
فهل المشكلة في فلسفة التربية ذاتها، أم في الطريقة التي نمارسها بها داخل بيوتنا
من الانضباط إلى الانفلات
قبل عقود، كانت التربية قائمة على الحزم والطاعة والاحترام الصارم للكبار.
لكن التقدّم الاجتماعي والوعي بحقوق الطفل قادا إلى موجة من "التحرر التربوي"، جعلت الآباء يمنحون أبناءهم مساحة أوسع للتعبير واتخاذ القرار.
في جوهرها، كانت الفكرة نبيلة: طفل حرّ، واثق بنفسه، يفكر بعقلٍ مستقل.
لكن التطبيق المفرط حوّل تلك الحرية إلى حالة من الانفلات في كثير من البيوت
حين تغيب الحدود
تبدو المشكلة اليوم في غياب "الخط الفاصل" بين الحرية والمسؤولية.
فبعض الآباء ظنّ أن التربية الحديثة تعني غياب العقاب، وتجنّب قول "لا"، وترك الطفل يكتشف كل شيء بنفسه.
النتيجة؟ جيل يطالب بحقوقه كاملة، لكنه ينسى واجباته.
يُجادل الكبار باسم “الحرية”، ويرفض التوجيه بحجة “الاستقلالية”، ويخلط بين الثقة بالنفس والغرور
تراجع قيمة الاحترام
لم يعُد احترام الكبير قيمة ثابتة كما كان في الماضي.
ففي ظل التركيز المفرط على "رأي الطفل"، نُسيت فكرة أن الخبرة والتجربة تستحق التقدير.
أصبح الحديث بين الأبناء والآباء أقرب إلى جدال بين أنداد، لا حوار بين جيلين.
وهنا تكمن إحدى أخطر نتائج التربية الحديثة حين تُفهم خطأ: تفكك هيبة المربّي وتراجع مفهوم القدو
الحرية لا تعني الدلال
التربية الحديثة لا تعني الدلال أو التهاون، بل تقوم على التوازن بين الحب والانضباط.
فمن حق الطفل أن يُسمع صوته، لكن من واجبه أن يعي حدوده.
ومن واجب الأهل أن يمنحوا أبناءهم الثقة، لكن عليهم أيضًا أن يرسموا الإطار الذي يحفظ القيم والسلوك.
نحو تربية متوازنة
الحل ليس في العودة إلى القسوة القديمة، ولا في ترك الحبل على الغارب، بل في صناعة تربية تجمع بين الحزم والحنان، والحرية والمسؤولية.
طفل اليوم لا يحتاج إلى الخوف كي يطيع، بل إلى قدوة تحترمه وتعلّمه.
والتربية الحديثة، إذا أُحسن تطبيقها، يمكن أن تكون أداة لبناء جيل قويّ، واعٍ، يحترم نفسه والآخرين في آنٍ واحد
خاتمة:
إن "الوجه الخفي للتربية الحديثة" لا يكمن في أفكارها بقدر ما يكمن في سوء فهمها وتطبيقها.
فالحرية التي لا يرافقها وعي، تتحوّل إلى فوضى، والتسامح الذي لا يُضبط بالمسؤولية، يُنتج جيلاً هشًّا أمام الصعوبات.
وما بين الإفراط والتفريط، يظل الأمل أن نُربّي أبناءنا على حريةٍ تهذّبها القيم، لا فوضى تُبرّرها الشعارات.

إرسال تعليق