كتب/محمد عبد القادر
مدير عام مكتب اسوان
نعيش في زمن يتسم بتغيرات اجتماعية وثقافية جذرية، حيث أصبحت الحقيقة نسبية والتأويلات التي يتفق عليها المجتمع هي ما يُعتبر "حقيقة". في هذا المقال، نستعرض رؤية نقدية لهذا العصر، مبرزين التناقض بين الجهل المتفشي والشجاعة الفكرية المفقودة. كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ وما هي تداعياته على الفكر والمجتمع؟
إن الحقيقة، كما يعرفها الكثيرون، لم تعد قائمة على الوقائع الثابتة بقدر ما هي مجموعة من التأويلات التي يتفق عليها المجتمع لتصبح مقبولة كحقيقة. هذه التأويلات قد تكون بعيدة عن الواقع ولكنها تكتسب شرعيتها من التكرار والاتفاق المجتمعي. تعبر هذه الظاهرة عن أزمة في إدراكنا الجماعي، حيث أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والزيف في عالم تهيمن عليه وسائل الإعلام والانطباعات اللحظية.
في هذا الزمن، يبدو أن الأصوات الأكثر جهلاً وتفاهة هي التي تسيطر على الخطاب العام. الأشخاص الذين يرددون السخافات بلا خجل يجدون منصات واسعة لنشر أفكارهم، في حين أن المفكرين الحقيقيين، الذين يتمتعون بعمق فكري وقدرة على التحليل النقدي، يعانون من الشكوك والخجل. هذه الظاهرة تعكس تراجع القيم الفكرية لصالح التفاهة والسطحية
المفكر الحقيقي غالبًا ما تنتابه الشكوك، ليس فقط في المجتمع المحيط به ولكن أيضًا في نفسه. هذا الشك هو ما يجعله يتردد في إظهار أفكاره ومشاعره، خوفًا من سوء الفهم أو الانتقاد الجارح. بينما يقضي المفكرون وقتهم في تحليل وتفكيك الواقع، يجدون أنفسهم محاصرين في دوامة من الشكوك، مما يمنعهم من التعبير بحرية.
نتيجة لهذا التناقض، يموت الكثير من المفكرين الحقيقيين وهم يحملون تأويلاتهم الأكثر منطقية والأقرب إلى ما يمكن أن نسميه "حقيقة". هذه التأويلات لا تجد طريقها إلى الجمهور الواسع، وتبقى محصورة في دوائر صغيرة من النخبة الفكرية. في المقابل، تبقى الساحة مفتوحة للجهلاء والعوام، الذين يعززون الوضع القائم ويمنعون أي تقدم فكري حقيقي.
إن الزمن الذي نعيشه يتسم بتراجع القيم الفكرية لصالح التفاهة والسطحية. في هذا العصر، يجد المفكرون الحقيقيون أنفسهم محاصرين بالشكوك والخجل، مما يمنعهم من التعبير عن أفكارهم بجرأة. في المقابل، يسيطر الجهل والتفاهة على الخطاب العام، مما يؤدي إلى تدهور الحقيقة والمعرفة. علينا أن ندرك هذه التحديات ونعمل على تعزيز الفكر النقدي والشجاعة الفكرية في مواجهة هذه الظاهرة.
إرسال تعليق