U3F1ZWV6ZTI4MzIwMDE5NjkzNTY5X0ZyZWUxNzg2NjcxNzI3OTEzMA==

انت رائع "من داخل سيارة الاجرة - جريدة الهرم المصرى نيوز

انت رائع "من داخل سيارة الاجرة

 

"


بقلم/ فارس عماد الدين شبكه


انها الخامسة والنصف من صباح القاهرة في اول ايام النصف الثاني من ديسمبر تحديدا بجوار احد نوافذ السيارات المتجهة لمدينة المنصورة والمنتظرة كالعادة اكتمال عدد الركاب لتنطلق.

 على كل حال يبدو ان الامر سيطول هنا فلم ياتي احد غيري حتى الان فاهذا التوقيت لا يستيقظ فيه حتى بائعي اللبن . اعلم انني سأصل الى وجهتي متأخرا كالعادة فمن منا يصل في موعده!

 السكون والظلام يسيطران على الاجواء فأنت تعلم ان حتى الضوء في ديسمبر يستيقظ متاخرا

 لا يقطع هذا السكون المريب سوى صوت ارتجاف السائق من شدة البرد مع بعض اللعنات الخافته الصادره منه لذلك اليوم الذي قرر فيه العمل كاسائق اجرة. اما انا فقد اخترت تصفح بعض مواقع التواصل الاجتماعي وكالعادة كثيرا ماتستوقفني المنشورات التي تتحدث عن النجاح وكيف تصبح مؤثرا في المجتمع وكيف ان هذا حقق حلمه في اقتناء سيارة من طراز رانج روفر والاخر في السفر لقضاء عطلة نهاية الاسبوع في احدى الجزر على اطراف الكوكب وكيف ان هذا الشخص ثابر واجتهد منذ الاسبوع الاول من ولادته و حقق ذاته قبل ان يصل الى سن العشرين وانك انت الذي تقرأ المنشور او تشاهد الفيديو مجرد وغد فاشل لايستحق الحياة  وانك ستعيش وتموت دون اي قيمة اذا لم تشترك في الكورس الخاص بنا وتشتري كتاب "كيف تصبح غنيا ايها اللعين" اننا نوفره بمبلغ زهيد لايتجاوز ال٥ الاف جنيها من المعروف ان اي فاشل يمكن ان يؤمن هذا المبلغ الزهيد. 

نحيت هاتفي جانبا ونظرت من نافذة السيارة واخذت افكر هل انا ومن على شاكلتي حقا حفنة من الفاشلة وماهو المعيار لذلك ومن منا له الحق في تقييم حياة الاخرين ثم اخذت افكر ماهو معيار النجاح ومن منا يستحق التقدير فعلا؟ هل هو صاحب الرانج روفر ام هو ذلك الشخص الذي يقضى عطلته في اجمل شواطئ العالم ام هو صاحب مركز الكورسات الذي ينعتنا جميعا بالفشل؟ ولكن اليس النجاح شئ نسبي يختلف من شخص لاخر؟ اليس كل منا لديه مايستحق التقدير والفخر؟ الان تذكرت حوار دار بيني وبين بائع ترمس متجول منذ بضع ايام حيث كان يحدثني عن فترة تجنيده وكيف انه كان يستطيع حمل عشرات الكيلوات من الاسمنت بمنتهى البراعة والقوة واخذ يلوم على شباب تلك الايام ضعيفي البنيه بما فيهم انا. أليس ذلك انجاز يستحق التقدير؟ وحتى عمله الا يستحق التقدير؟

الحقيقه ان كل منا يستحق وقفة تقدير وتكريم

ذلك الطفل الصغير المستيقظ مبكرا بشق الانفس ليحمل حقيبة وزنها يقارب وزنه ويذهب للمدرسة ماشيا يجر قدميه وهو يعلم انه سيلاقي مصيره المحتوم بالضرب من قبل "الأبلة/ عطيات" في الحصة الرابعة حيث انه لم يقم بعمل واجب مادة اللغة العربية ذلك الوغد المخرب الصغير يستحق وقفة تقدير واحترام حتى لو لم يكن من بين الاوائل على صفه حتى بالرغم من غضب معلمته منه وبالمثل الا تستحق ايضا امه وسام رفيع المستوى انها تمكنت من ايقاظه واقناعه على الذهاب للمدرسة لكي يتم ضربه. 

وماذا عن ذلك الموظف البسيط الذي يذهب لنفس العمل يوميا ليعيد نفس اليوم طيلة سنوات حياته فقط ليؤمن عيش اولاده و ليستطيع توفير ثمن تلك البطيخة والجريدة حيث انه يحملهم يوميا لمسافة طويلة فقط ليوفر سبب من اسباب السعادة لنفسه ولاسرته بربك اينعت هذا بالفشل؟  بربك اليس ذلك بشخص ناجح ولا يستقيم المجتمع دون وجوده؟ هل يستحق السخرية من قبل طفل تافه على مواقع التواصل الاجتماعي؟ 

حتى سائق سيارة الاجرة الذي كثيرا مانشكوا من سوء سلوكه الم يستيقظ منذ اذان الفجر لينكب على طارة السيارة للقيادة لمسافة طويلة لتأمين لقمة عيشه. الخلاصة ياصديقي القارئ انه ليس هناك معيار للنجاح ليس هناك من يملك الحق ليضعك ضمن تصنيف من الاساس وفقا لمعاييره هو. من الجيد ان تفكر في حياة افضل من الرائع ان تسعى للحصول على سيارة من طراز فريد ولكن وانت في طريقك لذلك  ارضى عن نفسك وعن ماتبذله في حياتك ولا تسمح لاحد ان ينعتك بالفشل لمجرد انك لم تسير على معياره الخاص للنجاح والاهم ان تقدس وتحترم دور الجميع وان تؤمن انه ليس هناك مايسمى بالشخص الفاشل ولكن لكل منا دوره فالحياه.

بدأت الحياة تدب في المكان واوشكت السيارة على اكتمال عدد الركاب ولم يقطع تفكيري سوى صوت سائق السيارة الجهوري قائلا " انت يا استاااااذ انت متنح كدا لييه؟؟ قوم اركب ورا علشان المزمازيل عايزة تركب جنب الشباك". كم انت سائق فظ! صديقي القارئ اذا صادفت ذلك السائق يوما ما  فاستثنيه من مقالي واعلم ان الجميع يستحق التقدير معادا ذلك الوغد. اما انت صديقي القارئ فانت رائع وحلو وبسمسم ولاتحتاج لكورس كيف تصبح غنيا

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة