بقلم /هيام الرمالي
سيدي القاضي أتيتك اليوم لتفك وثاقي وتقضي بيننا ولا أعلم إن كانت دفوعي وأوراقي تكفي لتقضي لي بما أدعيه أم لابد أن آتيك بشهود عيان وبعض الرفاقِ .
القاضي: لا بأس هاتي ماعندك لنري إن كان كافيا لتكوين عقيدتي لأقضي بما انا قاضٍ .
منذ حقبة ليست ببعيدة أتيت لتلك المدينة التي تشبه تشرين ،شيئا ما كان حاجزا بيني وبينها جعلني لا أحبها ،وكأنني أعلم أني ساتركها ذات يوم ،أُشهد الله أني وجدت بها الصحبة والأخوة والدفئ ولكنني وجدت بها كل أنواع الخبث والخيانة والخذلان والغدر وحدث بلا حرج كيفما شئت ،وتعرفت علي الكثيرين هنا وتحديدا في هذا الرواق ولكن إحداهن هي محل إدعائ وقضيتي اليوم ،لا أذكر اليوم الأول لتعارفنا وأين ومتي ؟ ولكني أذكر جيدا أن صداقتنا ولدت وكبرت في أروقة المحاكم ؛منذ بضعة سنوات وتحديدا بإقتراب موعد الإنتخابات العامة للنقابة وقد عزمت النية علي الترشح للإنتخابات علي مقعد المرأة وذلك بعد إلحاح من الزميلات ،وهنا فاجأتني بإتصالها
تيسير: علمت اليوم أنك سوف تترشحين علي مقعد المرأة لتلك الدورة النقابية .
أنا : نعم أفكر بجدية في الأمر بعد إلحاح بعض الزميلات ،ما رأيك فأنتِ علي دراية تامة بالجميع هنا وعلاقتك بهم جيدة .
تيسير :أنتِ خير من يمثلنا ،وأنا سوف اساعدك وسأكون بجوارك جنبا إلي حنب وخطوة بخطوة فلا تقلقي وسأنظم موعدا لنتحدث عن البرنامج الإنتخابي وأهدافه وموعدا آخرا لعرضه علي الزملاء والزميلات في لقاء جماعى.
تحدثت تيسير بكل حماس وتفاؤل ،وذات يوم ليس ببعيد عن إتصالها ربما يفصلهم يومين أو ثلاثة أيام أخبرتني إحدي الزميلات أن تيسير كانت تنوي الترشح منذ سنوات وقد أعدت برنامجها الإنتخابي حتي انها أفصحت عن ذلك من قبل ربما بعامين ،وهنا شعرت بالحزن حيالها ،ولما لم تُخبرني بذلك ،ولماذا طلبت مني الزميلات ذلك ،فهل أردن الزج بها بسوء نية ؟ ولم فهي ودودة ومعطاءة للجميع ،ولماءا اخفت عني ذلك حتي لو كنا سنتنافس نفس المقعد؟
أسئلة كثيرة بداخلي وانا شخصا لا أعرف للصبر سبيلا ولم تكن قوانين الصداقة تحكمنا آنذاك فمازالت علاقتنا في مهدها ،وهنا بادرت بمهاتفتها وسألتها صراحة لماذا أخفيتِ عني أننا سنتنافس علي مقعد النقابة؟
تيسير:لأننا لن نتنافسه .
أنا :كيف وقد اخبرتني ....
تيسير :قاطعتني تلك المرة ولم تدعني أكمل حديثي وقالت:لقد صرفت النظر عن ذلك ،والبرنامج الإنتخابي هو لك ؛أليس بيننا موعدا وإتفاقا لنتشارك القهوة ونتبادل الافكار .
أنا : إذن أراكي غدا ب.......
وبالفعل تقابلنا بالكافيه برنامجها الإنتخابي مسطورا ببضعة أوراق وأخذت تتحدث وتتحدث بحماسة ولكني رايتها تقدم لي شيئا آخرا ،شيئا إشتقت له منذ سنوات كنت أقرؤه في بريق عينيها وأستشعره من نبرة صوتها الحماسية وفي دفئ مشاعرها التي تتناثر حولها مع كلماتها وهي تمدحني وتحذرني من بعض العثرات التي ستواجهنا ،وكيف سنتعامل معها لنتجاوزها وتكشف لي أقنعة البعض الآخر ؛كانت دافئة أكثر من فنجان القهوة الذي أتي به النادل حتي أنها لقبتني بالسلطانة ومازالت حتي اليوم تناديني به .
لماذا تنازلتي عن حلمك بتلك السهولة ؟
تيسير:أنتِ أفضل مني شكلا وموضوعا وثقافة ومفوهة عني ،وهذا ليس حلما بل عملا خدميا وقد أردته فقط من اجل خدمة ومساعدة زميلاتي والوقوف علي مشكلاتنا نقابيا وأنتِ تصلحين لذلك ونحن سواء .
في تلك اللحظة رأيتها تشبهني ،هي تختلف عن الأخريات ،أرادوا الزج بها وإستخدامي كخنجر لطعنها رغم أنعم معا منذ الصغر ، ولما لا فتلك سياسة القطيع وهي تختلف عنهم في درجة الوعي .
هي تتحدث وتسترسل عن البرنامج الإنتخابي وكيفية عرضه ونفسي تحدثني عنها الصداقة الحقيقية تولد من رحم الأيام وتلك هي الفرصة الحقيقية التي يكررها الزمان مرتين ،فالحياة لا تمنحنا هدايا مجانية أبدا ،اليوم فقط عليّ أن اختار ،وهنا أقسمت هي أن أقبل منها تلك الاوراق (برنامجها الإنتخابي) وبالفعل أخذته منها وإنصرفنا وكلا منا يفكر في أمره ووضعته في درج المكتب وإكتفيت بذلك ...
لم تترشح أيا منا للإنتخابات النقابيه ولكن توطدت علاقتنا وكانت دائما هي الملجأ والناصح الأمين وعيني التي أري بها العديد من الأمور وكانت صاحبة الفضل في العديد من نجاحاتي فأذكر أول مقال نشر لي بجريدة كان بفضلها ....
فاجأني احدهم ذات يوم من الأيام باتصالا هاتفيا وأخبرني أنه رئيس تحرير جريدة .....وأن هناك سيدة تدعي تيسير ...ذهبت إليه بالجريدة لتطلعه علي بعض كتاباتي وعندما أبدي إعجابه بها تركت له رقم هاتفي وطلب مني الإنضمام لفريق الجريدة الإلكترونية ،وعندما نلت جائزة النشر المجاني لأول مجموعة قصصية قامت هي بأخذ بعض النسخ وإهدائها للمركز الثقافي بالمدينة والمكتبة العامة ؛
ودارت بنا الدوائر وهجرت المدينة بعد أن تعرضت للخيانة ممن ملكته أمري وكان يضمر حقدا دفينا غير مبررا وهنا هوجمت بكل الطرق الوضيعه والغير شريفة فكانت هي جيشي وبالفعل فعلت وجمعت جيشا لنصرتي في غيابي وحضوري ،هي حقا أختي التي لم تلدها أمي وأنجبتها لي الأيام من رحم المعاناة ؛ حقا تُظهر لنا الشدائد المعادن ونجد حولنا من لم نتوقعه ويزج بنا من آمنا لهم .
لقد أثرتني وطوقت عنقي وأثقلت الدين علي قلبي وكتفي ،وكلما هممت أن أرد لها معروفا أغدقتني بعشرة ،فأصبحت أسيرة لفضائلها ولا أجد سبيلا لرد ذلك الدين،وقد بعدت بيننا المسافة ولم نعد نستطع التلاقي ؛فبما أنت قاضٍ ؟
القاضي :لقد إكتفت المحكمة بتلك الأقوال ولا تحتاج شهودك ورفاقك يكفي بنفسك عليك شاهدا وعقلك وضميرا باقٍ ؛ اما عن الرفاق من القطيع ومن تولي من قبل أمرك فأخلاقهم لهم وإن أساؤوا وتلك صحائفهم ومرحبا بحسنات لم نبذل بها جهدا وأتت وأثقلت الميزان دون عناءِ .
أما من جيشتهم صديقتك وأخلاقهم فودهم باق ِ ؛ وفي الشدائد يخلق لنا الله جنودا صادقين لدرع كل أفاقٍ ؛ ونحن نحسن حتي لو لم يُحسن إلينا ونعامل غيرنا بما نحب أن نلقي في الدنيا ويوم التراق .
أما عن صاحبة الفضل ...فاري أني لن أوفيها حقها في حيثياتي وليس كل شعورا يقال ويُترجم ولكنه حقا من أحسن إلينا قيدنا فأحيانا يكون الهجر خلاصا و فك وثاق ولكن الإحسان قيدا وثقلا علي الأعناق .
ولا اري قول المولي عز وجل "وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان" وكل الديون مردودة وإن أبعدتكما الأيام فلا دين يعصي علي المرء إلا دين الوالدين فلا نقوي عليه وغير ذلك حتما يوما سوف يُقضي .
واليوم ألزمك بإنصافها ببعض أسطر في كتاب،ولتسطري كلماتك عن الوفاء والأمانة ونبل الخصال والاخلاق ،فأجد القوم جميعهم قد إحتشدوا للكتابة عن الغدر والخذلان وتناسوا العرفان وطيب ذكر عن أُناس نحن من خذلناهم ،أصبحنا مجتمعا كاذبا ومزيفا ومريضا ونتشدق بالأخلاق والشجاعة ولا نملكها ،و نغني للتاريخ ونحن نجهله .
أما عن بعد المسافات وقلة التلاق فكثير بعيدون عنا ولكنهم الاقرب والأفهم منا ،وكثيرا هم الغائب الحاضر بيننا .
أما عن الجميل "فإعملوا آل داوود شكرا "
بالقول والعمل بالجوارح ،والأهم بتقبل تغيير المسارات الحياتية والأقدار وفهم العبرة من التغيرات والأزمات .
وصاحبة الفضل نلزمها بمصروفات التقاضي ......
بقلم /هيام الرمالي
إرسال تعليق