U3F1ZWV6ZTI4MzIwMDE5NjkzNTY5X0ZyZWUxNzg2NjcxNzI3OTEzMA==

المثقف العربي وقضايا الوطن - جريدة الهرم المصرى نيوز

المثقف العربي وقضايا الوطن

 



بقلم / أيمن خليل 



لا شك أن الأوطان تبنى بأيادي أبنائها المخلصين لأمتهم وحضارتهم، ودائما يأتي صنع الدعائم بسواعد أجيال متعاقبة تتماشى مع العصر فتطور البناء وتُعلي منه وترتقي به 

وكما للبناء سواعد وأيادي فللهدم أيضا سواعد جُبلت على التخاذل والتراخي والانغماس في الفساد والملذات الفردية .


ووطننا العربي حباه الله بمقومات للنهضة والصعود،

 فقد ميّز الله مكانه الجغرافي ووهبه الخلاق العظيم من الكنوز والخيرات مالا نظير له في بلدان العالم كافة ، وجعل نمو البشر فيه نمواً طبيعيا وجعل الشباب فيه الأكثرية قادرين على العمل والإنتاج 


وفوق كل ذلك أعطى الله هذه الدول ديناً قويماً، كله خلق وقيم؛ نستطيع بها أن ننير الكرة الأرضية عن آخرها، وننشر فيها السماحة والعدل والخير، ولكن الحقيقة المرّة وللأسف أن المثقف العربي ليس إلا ضحية لتردي الوضع الثقافي العربي العام.

ويرجع السبب إلى عدم انفتاح المؤسسات التعليمية على أطروحاته، وغياب الوعي الجمعي بين أبنائه وتغييب لغة الفكر والتطور وتغليب الأمية وانسحاب القراءة والحد من التشيع للتطلع لدراسة تجارب الأوائل من المفكرين والعلماء واستكمال ما تركوه لنا لتطويره وتحديثه .

والأدهى من ذلك هو الفصل المتعمد بين المثقف ومباشرة الحياة العملية.


كما تأتي إشكالية أخرى هامة وهي"تعريف المثقف" فلم يتم التوافق أبداً بيننا في العصور الحديثة على تعريف جامع مانع للمثقف، والثقافة.


والكثير من التعريفات الحديثة المتداولة هي ممّا اصطلح عليه الناس لتجعل المثقف هو ذلك الإنسان الفارغ الذي يشغل نفسه بالأغاني وما يدور حول فلكها، وانسلخ عن هويته، وابتعد عن مسالك النهوض بأمته، أو أصبح ناعقاً بثقافة المستعمر، ولسان حال الأجنبي، فضاعت بوصلته وانحرف اتجاهه 

، وتاه عن طريق الرشاد.

لذلك نقول أن الميزة الأساسية التي تميز المثقف الحقيقي، ليست الشهادات الجامعية العليا، ليست الدكتوراة ولا الدراسات النظرية الجوفاء،، وليست حتى بعدد الكتب التي يكون قد قرأها، بل هي استيعابه لها وإدراكه وتطبيق ما استوعبه ليساهم في النهوض بمجتمعه الذي يمثّله".


وأحياناً يحدث اختلال مجتمعي تضخمي عند المثقف وعند العامة لدور المثقف حتى يتغول المثقف في دور السياسي، مما يفسد الحياة السياسة والثقافية معاً.. حيث يرى المثقف ذاته إنسانًا غير عادي لا يشبه العامة من الناس ، بل ربما تعالى عليهم بما حفظه من مصطلحات يتفلسف بها على الآخرين معتبرا نفسه المنقذ والمخلص لمجتمعه من هاوية الجهل والتخلف .

وقد ساعد على ذلك قضايا أوجدتها وتبنتها مؤسسات السياسية القائمة، أو هي نتاج للتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية، وأن الحلول لهذه القضايا يُمكِن استنباطها من المثقفين فقط ولا أحد غيرهم".


وللأسف أيضا أن بعض مثقفينا قد اتخذ،الثقافة الغربية العصرية معيارًا للصواب والخطأ، منسلخًا بذلك عن هويته وإرثه التاريخي.


- إننا اليوم في عصر بات يضطرب بين جنباته من أفكارٍ تزعزع ما كنا قبلناه قبولنا للمسلَّمات الثابتة؛ فماذا يصنع المثقف العربي؟ مع سيل الأفكار الوافدة، والرؤى الواردة، وكيف يتعامل معها المثقف ويطوعها لصالح أمته وانتمائه؟ ، وكيف يحصن نفسه من الفتنة بالوافد والانجرار وراء سراب الحضارات الأخرى؟ 


- إن المثقف اليوم عليه حمل ثقيل، ومسؤولية جسيمة، وواجب يمليه عليه حق الدين والوطن والضمير وأول الخطوات في سبيل التأثير هي أن يتحرر المثقف من بئر الاسترقاق لحضارة الغير، وينعتق من أثر الشهوات والمصلحة الضيقة؛ لينطلق إلى معالي المجد، ويصوب نحو الإصلاح، ويضع بصمة الحق وبذرة الخير عن طريق قلمه، ومشاركته في توجيه الأمة واستنهاض الهمم، فيُعبِّد طريق العلوم، ويرسم معالم النور بمشاركاته المفيدة وآرائه السديدة.


ونحمد الله أن الأمة بفضل الله فيها مثقفون وأصحاب رأي ورؤى لكنهم ينعزلون، ولا يتصدرون المشهد، وقد آن الأوان أن تكون الكلمة للمثقف الواعي، مثقف لا توقفه العوائق، ولا تشغله المعارك الجانبية، بل هو ماض في سبيل الإصلاح، ومنطلق في موكب الخير، شعاره دوماً

 [إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب]

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة